بعد أن دخلت إنفلونزا الخنازير مصر، انتشرت بين الكثيرين عادة جديدة، صحية، وهي ارتداء الكمامة الواقية من المرض.. ولم يعد مشهدًا مثيرًا للعجب هذا الذي تراه داخل مترو الأنفاق، أو في أماكن التجمعات الكبيرة وكثيرة الازدحام..
ولأننا في مصر، سرعان ما انتشرت الشائعات عن تلك الكمامات البيضاء، التي تشعرك أن مصر قد تحولت إلى معمل تحاليل كبير. تقول الشائعات إن ثمنها قد وصل إلى أرقام فلكية قد تصل إلى 100 جنيه للكمامة، في حين يؤكد أصحاب الصيدليات أن ثمنها لن يتجاوز الجنيه الواحد بأي حال من الأحوال.. كما خرج من أشاع وجود فلتر داخل الكمامة لتنقية الهواء، وكأننا في حرب كيميائية..
ولأننا - مرة أخرى - في مصر، ففهم ضرورة الكمامة يتراوح بين عقلية وأخرى، ففي بعض الأحيان يدخل زبون إلى محل ليجد صاحبه - المحل لا الزبون - يرتدي كمامة واقية، فيثور ويحنق، والمبرر: "هو إحنا جربة ولا إيه".
لكن الأكثر تأكيدًا أن هناك عقليات تختلف، حيث إن الباعة المتجولين سيجدونها فرصة لل$$ب السريع، وبالتالي ستجد نفسك يومًا وأنت تستقل المترو تواجه أحدهم، وهو يصيح بصوته المشروخ بين العربات: "يالا يا هانم يالا يا بيه.. تلات كمامات بنص جنيه"..
لكن الأكثر تأكيدًا أن هناك عقليات تختلف، حيث إن الباعة المتجولين سيجدونها فرصة لل$$ب السريع، وبالتالي ستجد نفسك يومًا وأنت تستقل المترو تواجه أحدهم، وهو يصيح بصوته المشروخ بين العربات: "يالا يا هانم يالا يا بيه.. تلات كمامات بنص جنيه"..
أما الشرطة، وبالذات شرطة المرور، فسيجدونها وسيلة مبتكرة لتحصيل غرامات جديدة، ولن يكون غريبًا أن يوقفوك في لجنة، فتجد الضابط يسألك في شك وكأنك (بن لادن):
- فين الكمامة؟
- كمامة إيه يا فندم؟! أنا معايا المثلث العاكس وشنطة الإسعافات.. ده أنا حتى جبت منقلة عا$$ة زيادة أمان..
- أنت هتستعبط يا......، فين كمامة إنفلونزا الخنازير؟؟
- ..................!!!!
- 200 جنيه غرامة كمامة..
وستدفع الغرامة الجديدة التي لم تكن لتحلم بها في كوابيسك..
- فين الكمامة؟
- كمامة إيه يا فندم؟! أنا معايا المثلث العاكس وشنطة الإسعافات.. ده أنا حتى جبت منقلة عا$$ة زيادة أمان..
- أنت هتستعبط يا......، فين كمامة إنفلونزا الخنازير؟؟
- ..................!!!!
- 200 جنيه غرامة كمامة..
وستدفع الغرامة الجديدة التي لم تكن لتحلم بها في كوابيسك..
هذا الأمر لن يقتصر على شرطة المرور، فحتى لجان بعد منتصف الليل، التي ستوقفك للاشتباه - لو أنك وش ذلك - لن يكون أول أسئلتها: "معاك بطاقة؟" إنما سيتحول إلى: "معاك كمامة؟".
وعلى النقيض فإن اللصوص سيستفيدون من الكمامة حيث لن يتمكن أحد من التعرف عليهم، وقد تدخل يومًا إلى القسم لتشهد على واقعة سرقة فتقول للضابط: "أنا شفت الحرامي يا بيه كان طويل وبكمامة"، لكنك تلاحظ أنك ترتدي واحدة وأن الضابط والعساكر يرتدونها أيضًا.. وفي اللحظة التالية سيرفع الجميع أسلحتهم في وجه الجميع بشك عظيم، ولأنهم شرطة في بعضهم، فأنت وقتها من ستلبس التهمة..
ستكون الوعود الانتخابية كلها - سواء كانت لمجلس محلي أو مجلس الشعب أو ربما ما هو أبعد - تتمحور حول عبارة: (كمامة لكل ناخب)..
بينما ستخرج وزارة جديدة اسمها وزارة الكمامة، تكون مسئوليتها توفير الكمامات للشعب، في الوقت الذي يكون فيه وزير الكمامة يدلي بتصريحاته حول توصيل دعم الكمامات لمستحقيه، طبعًا وهو يرتدي واحدة..
بينما ستخرج وزارة جديدة اسمها وزارة الكمامة، تكون مسئوليتها توفير الكمامات للشعب، في الوقت الذي يكون فيه وزير الكمامة يدلي بتصريحاته حول توصيل دعم الكمامات لمستحقيه، طبعًا وهو يرتدي واحدة..
أما فتاوى الفضائيات فستنتعش بشدة، خاصة حينما تكثر أسئلة على غرار: هل يجوز الوضوء بالكمامة؟! وما هو حكم الصائم في نهار رمضان إذا خلع الكمامة رغمًا عنه؟ ما هي مواصفات الكمامة الشرعية؟!
ثم تنتقل الكمامات لأرض الملعب، وسيكون التعليق وقتها: "أعزائي المشاهدين على يمين الملعب النادي الأهلي بكمامته الحمرا، وعلى شمال الملعب نادي الاتحاد السكندري بكمامته الخضرا"..
سيتعلل حارس المرمى أنه لم يتمكن من صد الكرة لأن كمامته وقعت وكان ملخوما في إعادتها لمكانها.. لكن الفيفا - بكل صرامة - سيعاقب أي لاعب يكتب فوق كمامته: "تضامنًا مع غزة"!!
سيتعلل حارس المرمى أنه لم يتمكن من صد الكرة لأن كمامته وقعت وكان ملخوما في إعادتها لمكانها.. لكن الفيفا - بكل صرامة - سيعاقب أي لاعب يكتب فوق كمامته: "تضامنًا مع غزة"!!
ستنتقل الكمامات لفضاء الإنترنت.. فتنشأ جروبات على الفيس بوك لمحبي الكمامات، وأخرى لكارهيها.. لكن الأجمل هي صور الملفات الشخصية (البروفايلات) التي ستمتلئ بالشباب والفتيات لابسي الكمامات، وقتها لن تعرف ملفك من ملف صديقك!!
على الماسنجر ستجد الوجوه التعبيرية قد اكتست كلها بالكمامات، ولن تتمكن من معرفة وجه كمامي التعبير!!
وهذا كله كوم، وأماكن لقاءات العشّاق كوم آخر.. صدقني لن يكون مستحبًا أن تصطحب فتاتك إلى مكان ما لتقضيان فيه وقتًا (لطيفًا) وكل منكما يرتدي كمامة.. فالتواصل الحيوي بينكما سيتعطل كثيرًا، بينما ستظل طوال الوقت تحاول أن تسمع صوتها الهامس - الذي تسمعه بصعوبة أصلا في الأوقات العادية - من خلف الكمامة وهي كذلك.. ولن يكون أمامك إلا أن تخلع الكمامة لتتمكن من التعبير عن حبك شفويًا وتحريريًا، أو أن تقطع علاقتك بها لأن صحتك أولى..
اترك كل ما فات، وتعال معي إلى البيوت.. حينما تسمع صراخ إحدى جاراتك وهي تنادي على الجيران مستغيثة للقبض على لص، فتخرج مسلحًا بعصا المكنسة المعدنية التي ابتاعتها مؤخرًا، لتجد رجلا يغطي نصف وجهه بكمامة، قد أخذ ينال من اللكمات والركلات كل ما لذ وطاب، بينما يحاول الصراخ قائلا: "يا فتكات أنا جوزك عبد المعييييـ....." ثم تنقطع جملته مع لكمة جديدة..
لكنك - إن كنت متزوجًا - ستجد في الكمامة خير عون لك في تجنب روائح طبيخ زوجتك الشهي، بل ومن طعمه إذا تحججت أنك لن تتمكن من خلع الكمامة لتناول طعام الغداء.. كل هذا وأنت ترسم هالة الملائكة والبراءة في عي&&& التي تتابع التلفاز بلامبالاة..
لكنك - إن كنت متزوجًا - ستجد في الكمامة خير عون لك في تجنب روائح طبيخ زوجتك الشهي، بل ومن طعمه إذا تحججت أنك لن تتمكن من خلع الكمامة لتناول طعام الغداء.. كل هذا وأنت ترسم هالة الملائكة والبراءة في عي&&& التي تتابع التلفاز بلامبالاة..
أما إن كنت مازلت عزبًا، ثم قررت لسبب ما - على الأرجح لوثة عقلية - أن تتزوج، فلا تستغرب حينما تجد أهل العروس يشترطون أن تكون الكمامات عليك، بينما طقم الصيني على العروس، بل ويمصمصون الشفاه على العريس السابق، الذي أحضر طقم كمامات 12 قطعة إنما إيه تحفة.. لكنه كان (أخنف) فرفضوه..
ستجد خطيبتك تمارس الدلال عليك كي تشتري لها كمامة حمراء على شكل قلب في عيد الحب، بعد أن أصبحت الدباديب والقلوب الحمراء موضة قديمة.. ثم تجدها تتفاخر أمام صديقاتها قائلة لهن: "بصوا خطيبي جابلي إيه؟"..
وبعد أن تتحول خطيبتك إلى زوجتك، ثم تتحول إلى آلة لإنتاج الأطفال بلا توقف، سيكون عليها توفير كمامات لهم بأقل الإمكانيات، هنا تجدها قد نزلت للترزي أسفل بيتكم لتلقي له بجلابية $$تور قديمة قائلة له: "وحياتك يا عم (رشدي) فصّل لي القماشة دي أربع كمامات على أد العيال"..
بعدها يصل الأمر للصين، التي تبدأ مصانعها في إنتاج الكمامات خصيصًا لمصر، فتنهال علينا كمامات بتنور في الضلمة، وأخرى بها آلة حاسبة، وثالثة بتغني (العنب) و(العبد والشيطان) وربما كانوا أكثر تطورًا وأوصلوا بها mp3 استماع وتسجيل.
ثم تخرج علينا هيئة الآثار باقتراح ترميم جميع المعابد والمتاحف الفرعونية، لتركيب كمامات حجرية لكل تمثال بالذات تمثال رمسيس الثاني.. ثم يعلنون عن المشروع القومي لتركيب كمامة عملاقة لأبي الهول، فهو أثر قومي يجب المحافظة عليه من إنفلونزا الخنازير، التي من الممكن أن تتطور إذا أصابته لإنفلونزا أبي الهول..
ثم تمر السنوات سريعًا، وتصبح الكمامة من أساسيات الحياة في مصر، بل تصير من العادات والتقاليد المصرية الأصيلة، سينسى الجميع أن وجودها كان بسبب الوقاية من إنفلونزا الخنازير، ستكون المشاجرات على الفضائيات حول تاريخ الكمامة، ودورها ال في تغيير حياة شعب أصبح يغطي نصف وجهه طول اليوم، بينما يقابل السائح لافتة ضخمة في كل مطارات مصر تقول له بكل وضوح: (مرحبًا بك في أرض الكمامة)!!
كل هذا بسبب الكمامة، التي يرتدونها في الصين بعد انتشار (سارس) منذ بضع سنوات دون أية مشاكل، لكن ما إن بدأت تنتشر في بلدنا الحبيبة، حتى وجدت من يتعامل معها بمنطق الخوف، أو منطق التعالي على مثل تلك الأشياء المُستحدثة، أو بطريقة السخرية ممن يرتديها، وربما تعامل معها أحدهم من منطلق أنها موضة جديدة، رغم أنها وسيلة صحية فعلية لعدم انتشار الأمراض، لكنها جديدة على ثقافة المواطن المصري الذي لم يعتد على شكل الكمامة إلا في غرف العمليات، هذا إن دخلها، بينما في البلدان الأخرى، فأي أسلوب من أساليب الوقاية لا يخجلون منها ولا يسخرون..
لذا أقول: عزيزي.. عزيزتي.. ارتدوا الكمامة، وتعاملوا معها بشكل طبيعي كالبنطلون أوالقميص أو الحجاب، لكن ادعوا الله معي ألا تتحول التخيلات السابقة إلى حقائق.. خاصة عند شرطة المرور.